على وقع الحرب الدائرة في قطاع غزة استضافت القاهرة جولة جديدة من المحادثات بين حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وحركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» للتباحث بشأن إدارة الشؤون المدنية في القطاع وترتيب البيت الداخلي في مواجهة أخطر تحدٍّ يواجه القضية الفلسطينية.
وفي حين تعكس هذه المحادثات العلاقات المصرية الوثيقة بالفصائل الفلسطينية إلا أن هناك قضية ذات صلة تُطرح بين آن وآخر وهو الموقف المصري من حركة حماس التي خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، واتُهمت من منصات إعلامية ودوائر شبه رسمية قريبة من نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالتعاون مع الجهاديين لضرب الجيش المصري في سيناء خلال السنوات الماضية.
وراجت الروايات المناهضة لحركة حماس لفترة طويلة حتى دخلت العلاقة بينها وبين القاهرة مرحلة جديدة عنوانها تحسن العلاقات والتنسيق المتبادل، قبل سنوات معدودة، لكن إرث الماضي لم يختفِ بل ما لبث يطفو على السطح بين فينة وأخرى، فحين اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، في الـ31 من يوليو الماضي تداولت لجان إلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تتضمن تفريغاً لمكالمة مزعومة بين «هنية» والرئيس المصري الأسبق محمد مرسي بشأن هجوم رفح المعروف بـ«مذبحة رفح الأولى» الذي وقع في رمضان/ أغسطس 2012 وأدى لمقتل 16 من مجندي سلاح حرس الحدود.
ومع أن نفس المكالمة المزعومة جرى ترويجها سابقاً على أساس أنها مكالمة بين أمير تنظيم القاعدة (الراحل) أيمن الظواهري والرئيس الأسبق محمد مرسي، وهو ما لم يتم تقديم دليل عليه طوال سنوات، إلا أن ترويجها في ظل حالة التعاطف الشعبية الواسعة مع إسماعيل هنية هدفت إلى كسر تلك الحالة بل ووصم حركة حماس عبر اتهامها بالتورط في مقتل ضباط وجنود بالجيش المصري في سيناء، خلال سنوات الحرب على الإرهاب.
ورغم تفنيد المتخصصين في تدقيق الحقائق المنشورات حول المكالمة المزعومة بين هنية ومرسي فإن توقيت تداولها لفت إلى عدد من التساؤلات المعقدة والمتعلقة بماهية العلاقة بين حماس والجهاديين وعلى رأسهم تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وكذلك موقف الحركة من مصر وكيف تتعاطى معها القاهرة، ولعل الإجابة عن تلك التساؤلات يكشف سر انتشار حملات التحريض ضد حماس في بعض الأوساط بين الفينة وأخرى.
على صعيد العلاقة بين حماس والجهاديين نجد أن الصراع والعداء حكم الجزء الأكبر من هذه العلاقة فمنذ إحكام الحركة سيطرتها على القطاع دخلت أجهزة الأمن الداخلي بجانب كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة، عدة صدامات ضد منتسبي السلفية الجهادية في غزة.
وسبق لـحماس والجهاديين أن تعاونا معاً في هجمات ضد قوات الجيش الإسرائيلي منها عملية أسر الجندي جلعاد شاليط المسماة بـالوهم المتبدد التي شاركت فيها ألوية الناصر صلاح الدين التابعة للجان المقاومة الشعبية والتي انبثق منها «لواء التوحيد» المعروف بنهجه السلفي الجهادي، وجيش الإسلام الذي يتبنى أيضاً نهج السلفية الجهادي، بيد أن التعاون لم يعكس التوافق الأيديولوجي بين تلك الفصائل بل إن حماس رأت أن الجهاديين يمثلون نهجاً تكفيرياً فيما اعتبر الجهاديون أن حركة حماس انحرفت عن جادة الصواب وذهب التيار الأكثر أصولية منهم إلى تكفير الحركة ووصفها بأنها «مرتدة».
وبدأت موجات الصدام الدامي عام 2009، فيما عُرف بأحداث مسجد ابن تيمية، ففي ذلك التوقيت أعلنت جماعة «جند أنصار الله» على لسان أميرها الطبيب عبداللطيف موسى إقامة إمارة إسلامية في مدينة رفح الفلسطينية سمتها «الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس» ودخلت الجماعة في صدام مع أجهزة الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية في غزة ومع كتائب القسام، وأفضت الاشتباكات إلى مقتل موسى و18 من الجهاديين وأربعة من كتائب القسام بينهم قيادي عسكري.
وكانت أحداث مسجد ابن تيمية محطة فارقة في تاريخ العلاقة بين السلفية الجهادية وحركة حماس، كما أنها أسهمت بجانب عوامل أخرى في بروز تنظيم «ولاية سيناء»، خلال سنوات قليلة فكثير من الجهاديين الهاربين من ملاحقة حماس وجدوا في صحراء سيناء الواسعة ملاذاً آمناً، في تلك الفترة وحتى عام 2013 تقريباً.
وأنشأ الجهاديون الفلسطينيون بالتعاون مع نظرائهم المصريين تنظيمات جهادية جديدة انطلاقاً من شبه الجزيرة المصرية منها «تنظيم مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس» و«أنصار بيت المقدس» التي تأسست للمرة الأولى في حدود عام 2009 ثم تحولت بعد فترة إلى «ولاية سيناء»، وفي الواقع لم تكن تلك المجموعات أو التنظيمات جامدة من الناحية التنظيمية بل عملت كلها بالتنسيق مع بعضها البعض واندمجت المجموعات الأصغر في جماعات أكبر وهكذا، ولعل أبرز دليل على ذلك ما كشفته «أنصار بيت المقدس» في رثائها أبو الوليد المقدسي هشام السعيدني أمير جماعة التوحيد والجهاد الفلسطينية ثم أمير «مجلس شورى المجاهدين»، وأبو البراء المقدسي أشرف صباح القيادي بالمجلس، إذ اعتبرت أن الثأر لهما واجب عليها وهو ما يكشف التماهي بين الجهاديين.
على أن التنظيمات الجهادية خصمت من رصيد حركة حماس وتنافست معها على استقطاب الكوادر والمقاتلين وعلى تمثيل النهج الإسلامي الصحيح من المنظور الحركي، فمثلاً أبو البراء المقدسي أشرف صباح انضم لكتائب القسام، عقب الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وصار مدرباً عسكرياً بصفوفها وتخرج على يديه عديد من مقاتلي الكتائب، ثم اعتنق فكر السلفية الجهادية وترك حماس عقب الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، وأسس جماعة «أنصار السنة» إحدى المجموعات الجهادية التي انضوت تحت لواء «مجلس شورى المجاهدين»، بعد ذلك.
ولم يكن المقدسي حالة استثنائية بل مضى على دربه العشرات من كوادر كتائب عز الدين القسام، وعُدّت الانشقاقات والصراع على تمثيل «النهج الإسلامي القومي» وغيرهما من الأسباب التي أدت إلى نشوب واحتدام الصراع بين الحركة والجهاديين في ما بعد.
وما كاد الصراع المذكور ينشب في قطاع غزة حتى اندلعت ثورة الـ25 من يناير في مصر، واضطربت الأوضاع الأمنية لجملة من الأسباب منها اقتحام السجون الذي اتُهمت حركة حماس بالضلوع فيه وفرار السجناء الجنائيين والسياسيين وكثير من الجهاديين، ومن ثم تحولت محافظة شمال سيناء لبؤر استقطاب جهادي وحدث مزيد من التلاقي بين الجهاديين الفلسطينيين الهاربين من غزة والمعادين لـحماس والجهاديين المصريين، وركز الجهاديون في تلك الفترة على استهداف الجيش الإسرائيلي وتفجير خط الغاز المصري الواصل لإسرائيل.
ومن منظور الاستراتيجيات الجهادية انشغل الجهاديون في سيناء بقتال «العدو البعيد» الذي يعني «الكافر الأصلي» دون قتال من يرونه «العدو القريب» أو «المرتد»، ولذا قالت جماعة أنصار بيت المقدس في إصداراتها الإعلامية، ومنها الإصدار المسمى «غزوة التأديب لمن تطاول على النبي الحبيب» الذي استعرض هجوماً مركباً للجماعة ضد قوات الجيش الإسرائيلي، إن جهادها سيبقى مركزاً على اليهود فقط، وفق تعبيرها.
غير أن تلك الاستراتيجية سرعان ما تبدلت بفعل الصراع السياسي في مصر والتنافس الجهادي بين تنظيم الدولة الإسلامية وجماعة «قاعدة الجهاد» الشهيرة بـ«تنظيم القاعدة»، فمع اندلاع الثورة السورية قرر أمير التنظيم الأول إيفاد مجموعة من مقاتلي تنظيم الدولة تحت إمرة أبو محمد الجولاني إلى سوريا لتشكيل فرع آخر للتنظيم باسم «جبهة النصرة لأهل الشام»، ومع بروز الجبهة على الساحة السورية قرر الجولاني نكث بيعته لـ«البغدادي» بطريقة ماكرة فأعلن أنه سيبايع، مباشرة أيمن الظواهري أمير تنظيم القاعدة.
ولم يكن الجهاديون في سيناء ببعيدين عن هذا «الشقاق الجهادي» الشهير، فمن ناحية طلب الخصمان (تنظيم الدولة وجبهة النصرة)، كل على حدة، من الجماعات الموالية للقاعدة ومنها «مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس» التدخل لحسم الخلاف حول تبعية جبهة النصرة، ومن ناحية أخرى سعى كل منهما لاستقطاب هذه الأفرع إلى صفه للحصول على دعم أكبر، فبحسب رسالة لأبو علي الأنباري نائب خليفة تنظيم الدولة الإسلامية، أُرسلت لكبار قيادات «القاعدة» فإن الجولاني تبرع بعشرات آلاف الدولارات للجهاديين في مصر ولبنان والأردن حتى يظهر أنه على اتصال بهم.
رسالة أبو محمد الفرقان لقادة أفرع القاعدة (صورة) + رسالة أبو علي الأنباري
وبحلول صيف عام 2013 هبت رياح تغيير حكم جماعة الإخوان في مصر وأُطيح الرئيس المصري محمد مرسي ومن ثم دخلت الجماعة في صدام مع النظام المتشكل بعد الـ30 من يونيو، وبالتوازي مع هذا الصدام قامت جماعة «أنصار بيت المقدس» باستدارة استراتيجية محولة سلاحها صوب الجيش والشرطة المصرية بعدما كانت تركز على العمل ضد الأهداف الإسرائيلية.
وبررت الجماعة تلك الاستدارة بأنها تأتي انتقاماً للمسلمين في مصر، على حد تعبيرها، وكذلك دخل تنظيم الدولة الإسلامية وغريمه التقليدي «تنظيم القاعدة» سريعاً على خط الأزمة ساعين لاستقطاب الجهاديين في مصر، لكن الأول أكد منذ البداية نهجه المختلف عن الجماعات الإسلامية السياسية التي كفرها، كما كفر الجيش المصري واعتبرها جماعات منحرفة، وبالفعل نجح تنظيم الدولة في كسب ولاء جماعة أنصار بيت المقدس التي بايعت خليفته أبو بكر البغدادي، في 2014، وتحولت لـ«ولاية سيناء».
وحظيت «ولاية سيناء» بعد مبايعتها تنظيم الدولة الإسلامية على زخم أكبر، فالتنظيم الذي أعلن خلافته المكانية في نفس العام مؤسساً دولته على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق، دعا كل أتباعه في قطاع غزة للانتقال إلى شبه جزيرة سيناء، ولاقت هذه الدعوات قبولاً من عديد من أتباع السلفية الجهادية في غزة بمن في ذلك منشقون عن كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
وشارك الجهاديون الفلسطينيون في شن هجمات عنيفة ضد قوات الجيش والشرطة المصرية في سيناء، منها هجوم البرث الذي استهدف كميناً للكتيبة 103 صاعقة بقيادة المقدم، حينها، أحمد منسي، وشارك في الهجوم عادل موسى الغزاوي قائد المجموعة الانغماسية التي تولت اقتحام تمركز الـ103 في «قصر راشد» بقرية البرث وخاضت قتالاً متلاحماً قتل فيه الغزاوي وآخرون، كما هاجم الجهاديون الفلسطينيون أهدافاً لحركة حماس في مناسبات متفرقة وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل كوادر بالحركة وجناحها العسكري كتائب القسام.
وفي بدايات نشاط «ولاية سيناء»، حاولت حماس ألا تندفع تجاه صراع صفري مع التنظيم الذي نشط على الجهة الأخرى من الحدود وصار يتحكم في عمليات تهريب البضائع والسلاح لحماس، بيد أن الأمور لم تلبث على ذلك كثيراً، فدخلت الحركة والتنظيم في صدامات متتالية، وعمل التنظيم على تقطيع خطوط الإمداد الواصلة لغزة.
وتجدر الإشارة إلى أن قيادة تنظيم الدولة الإسلامية طلبت من أتباعها في «ولاية سيناء» في 2017، من خلال رسالة أرسلها أبو مرام الجزائري عضو اللجنة المفوضة لإدارة الولايات وقتها، تقديم كل من تواصل مع حماس لمحكمة شرعية، وبناء على هذا التوجيه جرى إعدام أحد مقاتليه، موسى أبو زماط، بدعوى تهريبه السلاح لكتائب القسام.
وعلى الرغم من هذا الصراع راجت روايات التعاون بل والتحالف بين حماس وتنظيم الدول الإسلامية، دون أن تستند تلك الروايات إلى دليل قوي، على أن المصدر الأول لتلك الروايات أو الإشاعات كان إسرائيلياً بامتياز، إذ روج صحفيون وباحثون إسرائيليون على نطاق واسع فكرة وجود تعاون بين حركة حماس و«ولاية سيناء» الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية، وزعم الصحفي الإسرائيلي والمعلق الإخباري للقناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي يهود إيعاري أن شادي المنيعي القيادي بأنصار بيت المقدس ثم ولاية سيناء زار سراً قطاع غزة وأجرى مباحثات مع القادة العسكريين لكتائب القسام دون أن يقدم أي دليل على ذلك.
وعلى نفس المنوال نشرت صحفية «هآرتس» الإسرائيلية تقريراً ادعت فيه تزويد كتائب القسام لـ«ولاية سيناء» بأسلحة استخدمت في هجمات ضد الجيش المصري، مستندة إلى تصريحات أدلى بها جنرال إسرائيلي لقناة «الجزيرة» القطرية، وادعت «تايمز أوف إسرائيل» وجود تعاون بين الحركة والتنظيم مع إقرارها بأن «منشقون» عن حماس هم من انخرطوا في صفوف داعش، وكذلك روجت وسائل إعلام عربية نفس الادعاءات مستندة إلى تصريحات أدلى بها مسئولون أمنيون إسرائيليون لها.
وللمفارقة فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية وغيرها من المنصات الإعلامية التي سايرتها في رواية التعاون المزعومة استدلت بالصور التي نشرها ديوان الإعلام المركزي لتنظيم الدولة الإسلامية لمقاتلين فلسطينيين قُتلوا في سيناء، كمحمد جمال أبو دلال (أبو خالد المقدسي) على سبيل المثال، مع أن هؤلاء المقاتلين كانوا مطلوبين ومطاردين بالأساس من أجهزة الأمن في قطاع غزة ومن كتائب القسام على وجه الخصوص، وهو ما يظهر من التعميم الذي نشرته صفحة وزارة الداخلية في غزة، في 29 فبراير 2016، وطالبت فيه أبو دلال بتسليم نفسه للقضاء العسكري. علاوة على أن التنظيم أعلن، من البداية، الحرب ضد حركة حماس وتوعد بـاقتلاعها من غزة ونفذ كذلك هجمات ضد جناحها العسكري كتائب القسام ثم أعدم مقاتلين تابعين له بسبب دورهم في تهريب السلاح لحماس، فيما ردت الحركة بشن حملة ضد مناصريه وجرى القبض على بعضهم فيما قتل آخرون في اشتباكات بين الطرفين.
وعلى الجانب الآخر، مرت العلاقة بين مصر وحركة حماس بمنحنيات هابطة وأخرى صاعدة في نفس الفترة المذكورة، وتباين التعاطي الرسمي مع الحركة بمرور الوقت، وهذا غير مستغرب بالنظر إلى رؤية الدولة المصرية للتعاطي مع الحركات الأيديولوجية لا سيما المنبثقة من رحم جماعة الإخوان.
وعقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي من منصبه، في يوليو 2013، توترت العلاقة بين القاهرة وحماس، ووجه الإعلام المصري المحسوب على النظام السياسي انتقادات واتهامات للحركة، وجرى اتهامها بالإرهاب حتى إن محكمة الأمور المستعجلة قضت بمطالبة الحكومة بإدراجها على قوائم الإرهاب قبل أن تعود وتلغي الحكم بعد نحو أربعة أشهر فقط، ثم تحسنت العلاقات تدريجياً بين الطرفين منذ أواخر عام 2016، وارتبط ذلك بعدد من المحددات منها التنسيق بينهما في مواجهة «ولاية سيناء»، وابتعاد حماس خطوة عن جماعة الإخوان بفك الارتباط مع التنظيم الدولي/ العالمي للجماعة وتركيزها على القضية الوطنية الفلسطينية.
وارتبط النهج الجديد بالتغيرات التي تمت في المكتب السياسي ومنها وصول إسماعيل هنية لرئاسة المكتب السياسي للحركة وتولي يحيى السنوار رئاسة مكتب الحركة في قطاع غزة، ولعب هنية والسنوار دوراً بارزاً في التقارب مع مصر مرة أخرى، وهو ما ظهر خلال اللقاءات التي تمت في القاهرة والشكر الذي وجهه رئيس المكتب السياسي لجهاز المخابرات العامة المصرية ورئيسها، آنذاك الوزير خالد فوزي.
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن النهج المصري في التعاطي مع حماس، منذ ذلك التوقيت، جاء من منطلق مصلحة القضية الفلسطينية، وهو موقف ثابت لدى القاهرة، ومثل هذا الموقف انحيازاً لتيار داخلي في مؤسسات الدولة المصرية يرى التركيز على القضية بامتداداتها الوطنية والعروبية في مقابل تيار ثاني رأى ضرورة الضغط على الحركة أو خنقها بتعبير آخر على اعتبار أنها تمثل امتداداً لجماعة الإخوان، المنخرطة في صراع شامل مع القاهرة.
ولعل اختلاف الرؤى الداخلية في إطار المنظومة المؤسسية للنظام المصري كان وراء الضبابية في فهم آلية وطريقة التعاطي مع الحركة، ومع أن هذا الاختلاف طبيعي في القضايا المختلفة وتحسمه توجهات السياسة الخارجية وعقيدة الأمن القومي المصري إلا أن الإفراط في تحليل محددات الموقف المصري وحالة نقص المعلومات الضرورية والتحيز التحليلي لدى بعض وسائل الإعلام والباحثين قاد إلى تقديم رؤى غير دقيقة بشأن العلاقة بين القاهرة وحماس، وأسهم في ذلك أيضاً تقارير نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية زعمت أن إقالة مسؤولين كبار بجهاز المخابرات المصرية جاءت من أجل إرضاء حماس، وهو أمر غير صحيح، نفته مصر في حينه.
وبناءً على تلك المحددات والمتغيرات بقيت العلاقة بين القاهرة وحماس قائمة ومتوازنة، وهو ما ظهر خلال عدة مناسبات منها زيارة مدير المخابرات المصرية الوزير عباس كامل لقطاع غزة، خلال جولة التصعيد بين المقاومة الفلسطينية وتل أبيب عام 2021 إذ استقبله رئيس مكتب حماس في القطاع يحيى السنوار باحتفاء بالغ، ثم إعلان الرئيس المصري تخصيص 500 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع، وكذلك في جولة المواجهات الحالية التي تلعب فيها القاهرة دور الوساطة من أجل وقف الحرب على القطاع.
غير أن استمرار تلك العلاقة لم يرق لأطراف عدة على ما يبدو، ولذا سعت بعضها عن طريق «اللجان الإلكترونية» لتشويه صورة حماس من جديد عن طريق استراتيجية دعاية مضللة منسقة هدفت لتشويه الحركة والربط بينها وبين التمرد الجهادي الذي شهدته سيناء قبل سنوات، وهو ما يُفسر نشر المكالمة المكذوبة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس والرئيس المصري الأسبق حين اغتيل إسماعيل هنية قبل أشهر معدودة.